التغطية الإخبارية

"العهد" يستعيد ذكرى الاستشهادي الكربلائي هيثم دبوق

فاطمة ديب حمزة

كان النهار قد انتصف، وضوء الشمس في أوجه. وكانت سماء الجنوب الشاهد الأقرب عند الله على ظلم العدو وقهره واحتلاله، وعلى جهاد المقاومين وثباتهم وايمانهم. لكن وقتها، لم تكن الظروف مهيأة بسهولة للقيام بما قام به هذا الشاب، عملية استشهادية محكمة، هزت عمق الكيان الصهيوني، واخترقت جدران الأمن المزروعة في أطراف القرى الجنوبية الحدودية. عملية نوعية – أمنية – جهادية استشهادية نفذها “هيثم دبوق“، العشريني المتزن، والمؤمن الملتزم، نفذها هناك في تل نحاس، على طريق مرجعيون، بعد أن نجح في اختراق كل الاجراءات الأمنية الصهيونية، والوصول إلى آلياتهم وضباطهم وجنودهم.

الشهيد القائد السيد عباس الموسوي (قده) في ذكرى أسبوع عملية الولاء لأهل البيت وبطلها الشهيد هيثم دبوق في 19 آب 1988

 

زمان العملية ومكانها

ربما تُصنف قصص الشهداء، وتحديداً الاستشهاديين منهم، الأكثر جمالاً ورقيّاً بين كل أنواع القصص الأخرى. وفي سجل المقاومة جداول لعناوين قصص لا يُمل من استرجاعها وحتى الغوص في ظروفها. عملية الاستشهادي هيثم صبحي دبوق واحدة من عناوين هذه العمليات، على الرغم من أن موادها الإعلامية غير متوافرة بشكل كامل لعرضها، أو رسم صورة نهائية لها، ويمكن العودة إلى كتاب شقيق الاستشهادي، “منجي دبوق” “يا زهرة بفم الربيع” لقراءة بعض ما يساعد في استذكار عملية هيثم دبوق الاستشهادية البطولية في منطقة تل نحاس الحدودية.

لم تُحسب العملية بعدد قتلى العدو، بل بنوعيتها وتوقيتها ومكانها، تحديداً لناحية المرحلة الأمنية والعسكرية واللوجستية التي كانت تعيشها قرى الجنوب في تلك الأيام (عام 1988)، وهي المرحلة التي كان الصهيوني يحاول فيها أن يثبت نفسه ومواقعه في هذه الأطراف والتلال والمواقع والقرى المفصلية جغرافياً. كان الأمر نوعياً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. كانت أشبه بصرخة جنوبية جهادية مقاومة تحمل عبارة “لم نستسلم، ولن نُهزم”. يقول الدكتور بلال نعيم، وهو الذي عايش الاستشهادي هيثم دبوق، لموقع “العهد”: “ما فعله هيثم هو أمر متقدم، ويحمل اشارات متطورة عن كيفية مواجهة العدو، والانتصار عليه”.

لم تُحسب العملية بعدد قتلى العدو، بل بنوعيتها وتوقيتها ومكانها، تحديداً لناحية المرحلة الأمنية والعسكرية واللوجستية التي كانت تعيشها قرى الجنوب

حينها، استطاع هيثم التغلغل بين خمس آليات عسكرية تابعة لجيش الاحتلال، ثم فجر سيارته المحشوة بأكثر من مئة كلغ من مادة c4 شديدة الانفجار، لتتطاير أجساد الجنود والضباط الصهاينة، ويدب الرعب في كيان المحتل.

وقتها أصدرت المقاومة الاسلامية بياناً قالت فيه إن مجاهداً من مجاهديها، “انقض بسيارته المفخخة على قافلة عسكرية صهيونية تضم شاحنات محملة بجنود العدو وتتقدمها سيارة جيب وتحميها ملالة واحدة كانت بطريق عودتها من الشريط الحدودي المحتل إلى داخل فلسطين المغتصبة.

 وعلى طريق تل نحاس في منطقة مرجعيون امتشق المجاهد روحه الطاهرة سلاحاً متفجراً فحوّل القافلة بمن فيها من جنود العدو الصهيوني إلى أشلاء ممزقة عملت طائرات مروحية معادية على تجميعها ونقلها إلى الأرض المحتلة كما شاركت سبع سيارات إسعاف في لملمة الجثث المتناثرة وسط تطويق امني واسع فرضه الصهاينة حول منطقة العملية”.

هيثم .. الاستشهادي العارف، الكربلائي الحالم

كانت العملية في وضح النهار رسالة جهادية عقائدية لا يمكن العبور عنها بلا توقف بالنسبة للعدو، كيف مرّ هذا الشاب العشريني، وكيف حضر لها، وكيف صنع نفسًا بهذه القوة والطمأنينة لتنفيذ هكذا عملية؟

أسئلة كثيرة راح المحتل يبحث عن اجابتها، لكن الأمر كان قد تم. هيثم الكربلائي ثبّت قاعدة الجهاد هنا، الأرض والكرامة دونهما الدم، والموت الأجمل، هو في سبيل الله.

يسرد الدكتور نعيم لموقعنا بعضًا من ملامح شخصية هيثم، فيختار له لقب “العارف الصغير”، نظرًا لكثرة معرفته بعدة مجالات واختصاصات، “وتحديدًا المعرفة الدينية التي كانت يسعى إلى تغذيتها والغوص فيها وإشباع روحه منها”.

أكثر من ذلك وأجمل، يقول الدكتور نعيم لموقع “العهد”، “التقيت بالاستشهادي قبل يومين من العملية هنا في بيروت. كان على غير عادته كثير الكلام، نشيط المزاج وكأنه عصفور في قفص يتهيأ للخروج منه. بعد السلام والكلام والجلوس والصلاة، راح يقرأ القرآن، فوصل إلى كلمة لم يعرف معناها، فسألني عنها وراح يتحدث عنها وعن موقعها في الآية القرآنية”. ثم يعلق الدكتور نعيم على ذلك بقوله: “إلى ما قبل ساعات من استشهاده كان يبحث عن المعرفة والعلم، والحياة، لكن الحياة التي في سبيل الله واليه”.

من الواضح أن الدكتور نعيم كان يعلم عمق شخصية الاستشهادي هيثم. يتحدث عنه بتفاصيل دقيقة جداً، “فهيثم كان لا يمارس العبادات لمجرد التعبد، بل كان يتفقه بالدين ومعرفته، وكان سريع التعلم والفهم، وهذا دليل على حبه لهذا النوع من المعارف. وهيثم كان يمتلك قدرات لافتة في التركيز، والانتباه، والالتفات لأي تبدل أو تطور أو تغير. كان كثير الترتيب والنظافة، ونهماً في قراءة الكتب والدرس، ويلاحق كل ما يُنقل أو ما يقال ويُنشر عن الإمام الراحل الخميني (قده)”.

وربطًا بهذه المعرفة، يذكر الدكتور نعيم لموقعنا أن “الاستشهادي هيثم تعلم قيادة السيارة لينفذ عمليته، وقد عمل ودبّر وخطط لهذه العملية بعد أن نال موافقة قيادة المقاومة على تنفيذها، وبعد أن ألح عليها مرارًا وتكرارًا”.

لكن ما يختم به الدكتور نعيم لموقع “العهد” عن الاستشهادي هيثم يختصر كل الصورة: “هو من الشهداء الكبار الذين يجب أن تُدرس عملياتهم في مدارس الحياة وكتب الجهاد”. وربما الأمر ليس صدفة أن يتزامن استشهاده في السابع من محرم مع عاشوراء الحسين (ع) وكربلاء الفداء.

رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

الموقع :www.alahednews.com.lb

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى