التغطية الإخبارية

انحدار مستوى التعليم في أمريكا.. فشل المدارس بتعليم الأطفال

د. علي دربج – باحث وأستاذ جامعي

تواجه الولايات المتحدة مشكلة في التعليم تبدأ من مرحلة رياض الأطفال حتى نهاية التعليم الثانوي، وهي تتجاوز كوارث إطلاق النار في المدارس والتمييز العنصري، وحتى الجدل القائم حول “نظرية العِرق الحرجة” (تم استخدام العرق في الماضي، كمعيار لتبرير احتجاز الأشخاص السود واستعبادهم. حيث كان أصحاب البشرة السمراء يُعتبرون أنهم عرق أدنى وغير متحضر) في المدارس الامريكية، وبحسب المعطيات الرسمية تفشل في مهمتها الأساسية لتعليم الأطفال.

ماذا تقول الجهات الرسمية المعنية عن واقع التعليم في أمريكا؟

حتى لا يبقى كلامنا في الإطار النظري العام، لجأنا إلى البيانات الجديدة الصادرة عن “التقييم الوطني للتقدم التعليمي” والتي نقلتها شبكة NPR  “National Public Radio”، وذكرت فيها أن “متوسط درجات الإختبار للأطفال في الولايات المتحدة بعمر 13 عامًا، قد انخفض في القراءة، خصوصًا بشكل حاد في مادة الرياضيات منذ عام 2020.
 
أكثر من ذلك، تراجع متوسط الدرجات، في الإختبارات التي أجريت في الخريف الماضي 4 نقاط في القراءة، و9 نقاط في الرياضيات، مقارنة بالإختبارات التي أجريت في العام الدراسي 2019-2020، وهي الأدنى منذ عقود. وفيما كان التراجع في مستوى القراءة أكثر وضوحًا للطلاب ذوي الأداء المنخفض، إلا أن اللافت أن الانحدار شمل جميع النسب المئوية، ووصفت درجات الرياضيات بأنها الأسوأ.

صحيح أنه، قد يعود جزء من المشكلة إلى الوقت الضائع في المدرسة أثناء إغلاق المدارس المرتبط بفيروس كورونا، غير أن هذه المعضلة تسبق الوباء. فالتراجعات بدت بارزة وأكثر أهمية عند مقارنتها بدرجات عما كانت عليه قبل عقد من الزمان، إذ انخفض متوسط الدرجات حاليًا 7 نقاط في القراءة، و14 نقطة في الرياضيات” ودائمًا بحسب تقرير NPR.

ماذا عن الصحة العقلية للطلاب؟

في الواقع، مهما كان سبب هذا الانحدار في المستويات للطلاب الأمريكيين، سواء انتشار فيروس كوفيد -19 أو العنف المدرسي أو الحي أو وسائل التواصل الاجتماعي، أو عوامل أخرى، لكن ما تجدر معرفته أن هناك مشكلة لا تقل خطورة أيضًا، وهي تتعلق بالصحة العقلية للطلاب التي كانت انفجرت أيضًا مؤخرًا.
 
ففي كانون الأول (ديسمبر الماضي)، كشفت صحيفة “واشنطن بوست” أن “أكثر من 75 في المائة من المدارس التي شملها استطلاع أجري هذا الربيع، قالت إن المعلمين والموظفين قد أعربوا عن مخاوفهم بشأن اكتئاب الطلاب والقلق والصدمات”، وفقًا للبيانات الفيدرالية.

ليس هذا فحسب، أشارت العديد من المدارس تقريبًا إلى حدوث قفزة في عدد الطلاب الذين يسعون للحصول على خدمات الصحة العقلية، التي شكلت أكبر مصدر قلق للآباء على أطفالهم، وفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة بيو للأبحاث Pew Research هذا العام.

ما هي أسباب هذه تراجع مستوى التعليم في أمريكا؟
 
في الواقع، هناك العديد من الأسباب التي لعبت دورًا كبيرًا في تردي مستوى التعليم في الولايات المتحدة، ويمكن ايجازها بالآتي:
 
أولًا: مشكلة الإنفاق. إذ يعتبر العديد من السياسيين والنخب الأكاديمية في الولايات المتحدة أن بلادهم لا تنفق ما يكفي على التعليم. فوفقًا لدراسة أجريت عام 2022 أن الولايات المتحدة تنفق على التعليم ما نسبته 4.96% من ناتجها المحلي الإجمالي، فيما تنفق الدول المتقدمة الأخرى على التعليم ما نسبته 5.59% من الناتج المحلي الإجمالي”.

ثانيًا: عدم التشديد على صرامة برامج التدريب التربوي. وفي هذا السياق تؤكد أماندا ريبلي، مراسلة تربوية ومؤلفة الكتاب الأساسي “أذكى الأطفال في العالم” ــــ كانت قارنت المدارس الأمريكية بمدارس البلدان الأخرى ـــ على ضرورة مشاركة المعلومات والتعاون بين الجهات المتخصصة، على مستوى عالٍ جدًا لتحسين جودة التدريس.
علاوة على ذلك، لاحظت ريبلي أن “ما تراه في هذه البلدان الأخرى هو أنها تقوم بتصفية المعلمين والمدربين قبل أن يصبحوا معلمين. من هنا فهي تعتبر ان دفع أجور المعلمين سيؤدي إلى نتائج أفضل”.

ثالثًا: التمييز القائم على مستوى الموارد التعليمية وقلة العطاءات وضحالة المنح المقدمة من الحكومة الفيدرالية. فضلًا عن وجود فجوة تعليمية بين الطلاب الذين ينتمون إلى طبقات اجتماعية واقتصادية مختلفة. فهناك فرص أفضل للتعليم في المدارس الخاصة والمناطق ذات الدخل العالي، فضلًا عن أن الموارد المالية متوفرة، بينما تعاني المدارس العامة في المناطق ذات الدخل المنخفض، من نقص في الإمكانات المادية.

ما هو موقف الحزبين الجمهوري والديمقراطي من هذه المشكلة الخطيرة؟      
 
في الوقع، يتفاوت اهتمام الأحزاب السياسية بمجال التعليم. فلطالما كانت هذه القضية بمثابة الخبز والزبدة بالنسبة للديمقراطيين، لكن مع ذلك فإن التمويل الإضافي دون إصلاح أو مساءلة برأي الخبراء لن يكون مقبولاً سياسياً.

بالمقابل، انحصر تركيز الجمهوريين على أمور أخرى مثل العنصرية، أو الشذوذ، مع القليل من الاهتمام بتمويل المدارس. وعليه عندما يتعلق الأمر بنتائج الاختبارات الفاسدة، فإنهم يلجأون (استنادًا الى المراقبين) حتماً إلى إلقاء اللوم على نقابات المعلمين أو اقتراح إلغاء إدارة التعليم.
 
ورغم أنه لبعض الوقت، دعم الطرفان “إثبات” فعالية المعلمين باختبارات موحدة، غير أن الخبراء يرون أنه سيكون من الحكمة أن يستعيد الديمقراطيون قضية التعليم K-12، بدءًا من الاعتراف بأن الولايات المتحدة، تتخلف منذ فترة طويلة عن المنافسين الدوليين، وتعرضت لضربة أخرى من قبل الفيروس.
 
في المحصلة، من الطبيعي أن تعاني الولايات المتحدة من مشكلة في التعليم، في ظل ميل فريق سياسي كبير داخل أمريكا الى خفض الإنفاق الحكومي على التعليم، وتحويلهم المدارس إلى ساحة للحروب الثقافية، وكان آخرها إلغاء المناهج المتعلقة بالدراسات الافريقية، لطمس عار العبودية الذي مارسته أمريكا طيلة قرون مع أصحاب البشرة السمراء.  
 

رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

الموقع :www.alahednews.com.lb

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى