التغطية الإخبارية

الإنتخابات الأميركية وسلسلة الفضائح بين الإعلام الموالي والمناوئ

عبير بسّام

حسم الديمقراطيون موقفهم بإعلان إعادة ترشيح الرئيس الأميركي الحالي العجوز جو بايدن للرئاسة، في وقت ما زالت الحرب دائرة بين الجمهوريين وينضم إليها في كل يوم مرشح جديد تُظِهر استطلاعات الرأي الأميركية فشله في اكتساح ساحة الناخبين الجمهوريين، وبقى دونالد ترامب المرشح الأقوى بينهم. وفي ظل الحرب الإعلامية القائمة بين الديمقراطيين والجمهوريين على الرئاسة الأميركية (في نهاية العام 2024)، بدأت الصحافة التابعة لكل جهة بنبش قبور أكبر مرشحين للرئاسة الجمهورية، جو بايدن ودونالد ترامب، ويمكننا قراءة ذلك على سبيل المثال، من خلال ما كتبته كل من مجلتي “ناشونال ريفيو” و”الغارديان”. فالأولى هي جزء من عائلة “فوكس نيوز” الإعلامية والتي تميل نحو الجمهوريين، والثانية تعتبر مجلة ليبرالية وتميل نحو الديمقراطيين. ومع أن “غارديان” مجلة بريطانية، لكن يبدو أنها منخرطة في العملية الإنتخابية الأميركية بشكل أو بآخر.

ليس مستغرباً أن تهتم الصحف العالمية بمراقبة العملية الإنتخابية في الولايات المتحدة، كما أنه ليست مستغربة الطريقة التي تناولت بها “الغارديان” فضائح ترامب والهجوم عليه وكأنها واحدة من الصحف الأميركية، فهذه الصحيفة تعبر عن التلاحم المصيري بين بريطانيا والولايات المتحدة. رغم إعلان استقلال الأخيرة عن المملكة المتحدة في العام 1776، بقيت الدولتان تتمتعان بعلاقة عضوية قائمة وغير قابلة للفصل حتى اليوم. فمخابرات البلدين، هما الوحيدتان في العالم اللتان تتعاونان وتتبادلان المعلومات، ولا تتجسسان على بعضهما البعض بحسب الظاهر حتى اليوم، وما يدور في مركز الإستخبارات المركزية الأميركية تعرفه الإستخبارات البريطانية والعكس صحيح. وما يتناوله الإعلام اليوم من فضائح المرشحين هو اعتيادي، وعليه بدأ مع احتدام المنافسة الإنتخابية البحث في الملفات الشخصية والعامة لكل مرشح ونبش ملفات الفساد الإداري والشخصي لكل من المرشحين وعائلتيهما.

نشرت “ناشونال ريفيو” في 25 أيار/ مايو مقالاً لأندرو مكارثي بعنوان: “كيف اغتنت عائلة بايدن؟”، وجاء العنوان الثانوي للمقال وبالخط العريض: “تجاهلت وزارة العدل انتشار نفوذ عائلة بايدن”. ويسلط مكارثي الضوء على إهمال إدارة العدل في حكومة بايدن النظر في الأدلة المتزايدة على مخالفات “هانتر بايدن” (نجل الرئيس بايدن)، وأطلق مكارثي عليها صفة “هفوات هانتر” كنوع من السخرية، مسلطاً الضوء وبقوة على مخالفات “هانتر” في عدم دفع الضرائب، وقبضه الأموال الضخمة من دول أجنبية، والتعامل مع دول أجنبية منافسة للولايات المتحدة كالصين. وكشف مقال “الناشونال ريفيو” أن “هانتر” يقوم باستغلال منصب والده من أجل توسيع أعماله في الصين والتهرب من المحاسبة. لم تتطرق المجلة لأعمال “هانتر” فقط، بل تناولت أخلاقياته وتصرفاته غير المنضبطة معتمدة على الصور التي عثر عليها في حاسوبه العام الماضي، والتي أظهرته وهو يطلق النار منتشيًا وكان يتعاطى المخدرات هو وصاحبته، وهي زوجة أخيه المتوفى “بو”.

كما تركز المجلة على استغلال “هانتر” لمنصب أبيه حين كان نائباً للرئيس باراك أوباما في إدخال الملايين من الدولارات والتي تغاضت إدارة العدل عن التزامه بدفع الضرائب عليها بسبب موقع أبيه في السلطة. بلغت قيمة الأموال التي أدخلها، بحسب الـ “NBC”، ما بين الأعوام 2013- 2018، 11 مليون دولار، وتستفيد منها العائلة بما فيها الأب، وتصل إليها عبر عملاء أجانب. كما تولى “هانتر” إدارة شركة بوريسما “Burisma” الأوكرانية، والتي تعرّف كـ”شركة فاسدة”، بحسب الـ NBC.

ويبدو أن هناك ملايين الدولارات تدفقت في خزائن عائلة بايدن جاءت من عملاء الأنظمة الأجنبية، بما في ذلك الصين التي تعتبرها المجلة، “البقرة الحلوب” بالنسبة لعائلة بايدن. لذا فقد أصدر الجمهوريون في لجنة الرقابة في مجلس النواب، “الكونغرس”، وبقيادة رئيس اللجنة النائب عن كنتاكي “جيمس كومر” تقريراً مؤقتاً يوضح بالتفصيل، أن أكثرمن 10 ملايين دولار تتدفق من مصادر أجنبية إلى حسابات شركاء الأعمال وأفراد العائلة دون رقابة. ومع أن الجمهوريون حصلوا على سلطة إدعاء لمدة خمسة أشهر فقط، فإن وزارة العدل تتأخر منذ سنوات في التعامل مع قضايا هانتر بايدن.

يبني كومر تحقيقه على تحقيق في نقص الموارد أجراه كل من السيناتور تشاك جراسلي والسيناتور رون جونسون في العام 2020، وما يزال التحقيق معلقاً منذ ذلك الحين حيث منعت وزارة الخزانة التابعة لحكم بايدن وصول الحزب الجمهوري إلى أكثر من 150 تقرير قدمتها البنوك لأن التقارير تشمل عائلة بايدن. كما تضمنت التقارير دفوعات مبالغ وعلاقات عمل ليس فقط مع الصينين، ولكن مع زوجة عمدة موسكو الراحل يوري لوجكوف وصديق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. كما تضمن التقرير دفع مبالغ للرئيس بايدن وصلت قيمتها إلى ملايين الدولارات، والتي ليس لديها قيمة أصول واضحة من خدمات أو سلع أو عقارات في مقابل ما دفع، والسلعة الوحيدة الواضحة كانت نفوذ بايدن السياسي كنائب للرئيس. مما يؤكد أن نفوذ بايدن هو مصدر المال الأساسي، أي أنه رشوة. حيث يؤكد مكارثي، ان هانتر بايدن سُمع وهو يتفاخر كيف أن الصينيين دفعوا مبلغاً محترماً من المال في مقابل اللقاء مع أبيه، وهو اللقاء الذي تم مع شريك “هانتر” الصيني جوناثان لي. ومقابل ذلك تم تأسيس صندوق استثمار ضخم باسم الشريكين جوناثان وهانتر، تحت مسمى “شركة حصاد بوهاي للإدارة المالية آر إس تي (شنغهاي) المحدودة”.

وتعمل “بوهاي” كشركة خاصة تدير عمليات دمج الشركات والإستحواذ والمعاملات المالية والإستثمارية عبر الحدود. وهذه الشركة أو الصندق مدعوم مباشرة عبر مخصصات التنمية الصينية، والتي بحسب مكارثي، مكنت الصين من الحصول على التكنولوجيا ذات الإستخدامات العسكرية، وشراء منجم للكوبالت في الكونغو بقيمة 3.8 مليون دولار. كما كتب بايدن رسالة توصية لإبن الرئيس “تشي بينغ لي” لدخول “رابطة اللبلاب”، أو IVY LEAGUE، وهي عبارة عن تجمع لثمان جامعات مرموقة في الولايات المتحدة، أي أنه تمكن من الدخول والإنخراط في المجتمع النخبوي في أمريكا. ومن هنا يبدأ الكاتب بالدخول في تفاصيل المشروعات الوهمية التي انخرطت في التبادل التجاري ومكنت كل من بايدن والصينيين من شراء العقارات والإنخراط بالأعمال وقد قدم لبايدن مقابل مساعداته ما لا يقل عن 6 ملايين دولار في العام 2018.

ما تفعله اليوم “ناشونال ريفيو” من خلال نشر هذا المقال يعتبر ردًا على ما قيل عن ترامب والإتهامات الموجهة له حول عدم دفع الضرائب، وقد ابتدأت محاكمته بهذا الشأن. ويبدو أن الجمهور غير مبال بالإتهامات التي توجه لترامب، والتي لو ثبت تأثيرها لكان استطاع رون دي سانتيس، حاكم فلوريدا ومرشح الجمهوريين الذي يحتل قبولاً بنسبة 22% فقط، مقابل 47% شعبية لترامب بالتفوق على الأخير. فضائح بايدن المالية تأتي في مقابل فضائح ترامب، والتي تحدثت عنها الـ”غارديان” ساخرة بمقال تحت عنوان: “الجمهوريون يصرخون “ذئب” (والمقصود هانتر): قد أضروا بقضيتهم”. ونحن نعرف قصة الراعي الكذاب الذي صرخ ذئب عدة مرات، حتى حين جاء الذئب الحقيقي لم يهرع الناس لمساعدته.

وبحسب الـ”غارديان” في 21 حزيران/ يونيو، فقد أظهر ملف المحكمة ما قبل المقال بيوم واحد، أن “هانتر” سيقر بذنبه في عدم دفع الضرائب والتي بلغت قيمتها 100 ألف دولار ما بين الأعوام 2017- 2018، بعد جني حوالي 1.5 مليون في كل عام. وبذا تجنب “هانتر” الكابوس السياسي للمحاكمة، والتهمة لوالده بالسيطرة على إدارة العدل، ومن المتوقع أن يقضي فترة في السجن مقابل تخلفه. ومن ثم تتهم “الغارديان” رئيس لجنة التحقيق كومر بأنه يتغاضى عن استفادة إيفانكا ترامب وزوجها جاريد كوشنر وابنهما من من وجودهما في البيت الأبيض خلال فترة حكم والدها، ولكن “الغارديان” لم تعدد أوجه الإستفادة. وتقول “الغارديان” أن الحملة التي قادها الجمهوريون تجعل من الصعب تمييز المخاوف المشروعة عن نظريات المؤامرة المجنونة التي نتجت عن تعاملات “هانتر” التجارية في اوكرانيا والصين.

هذا في قضية “هانتر”، وأما في قضايا التحرش الجنسي، فكلا المجلتين تتهمان الآباء بالتحرش بابنتيهما، وقد نشرنا سابقاً عن اتهامات بايدن بالتحرش بابنته آشلي، والتي وردت في مذكرات آشلي بايدن، ونشرت “الغارديان” مقالاً منذ أيام بعنوان “يُزعم أن دونالد ترامب كان مخيفًا بشأن إيفانكا – لكن هل سيهتم معجبوه بذلك؟”، لأروى مهدوي، تصف فيه نظرة ترامب لإبنته بيانكا وإعجابه بلياقتها.

إن الدرك المتدني، الذي تصل إليه الإتهامات أو التصرفات بين المرشحين، تجعل من الصعب التصديق بأن دولة كهذه تعد الدولة العظمى، التي حكمت العالم لثلاثة عقود شكلت فيها القطب الأوحد. ومن المضحك المبكي أن الأميركيين يطالبون بلادنا بمحاربة الفساد والمفسدين ورؤساءهم تحكم والمحاكم تظللهم، حقيقة: باب النجار مخلع.

رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

الموقع :www.alahednews.com.lb

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى