عزيز موسى كاتب وباحث في الشؤون الدولية والأمنية

“البافر ستيت” مخطط أمريكي بأهداف جيوسياسية
تتعقد المشهدية السياسية والميدانية للواقع في سورية، وذلك في إطار استراتيجية الاستنزاف التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية مع عدد من حلفائها في المنطقة أهمها تركيا، إذ تهدف الإدارة الأمريكية لاستدامة الفوضى في الجغرافيا السورية وتجميدها، مع العمل على تطوير انزياحات بسيطة في الاصطفافات الخاصة بالقوى والجماعات التي تتبع لها من جهة، وتلك التي تسعى إلى تحقيق حلم “الانفصال والاستقلال الذاتي الكامل” من جهة أخرى، وتشديد مستوى الحصار والضغوط الاقتصادية لاستحصال مكاسب متعددة، إلا أن التركيز الأساسي هو تحقيق أهداف جيوسياسية لا ترتبط بسورية وحدها، وإنما تتجاوزها لتشمل الدول الحليفة معها والمجاورة لها ( إيران، العراق)، والعمل على تجزئة المنطقة وتفتيتها بشكل تدريجي بشتى الوسائل، والذي يعتبر مشروع “البافر ستيت” أحد أهم أدواتها، في ظل احتدام مستويات الصراع والمنافسة الدولية في مناطق متعددة من العالم ( أوكرانيا، إفريقيا)، وغياب أية حلول قريبة من شأنها تخفيف التصعيد.
“البافر ستيت” هو مشروع جيوبوليتيكي وظيفي يقوم على إحداث حاجز طبيعي- بشري للعزل بين دولتين أو عدة دول سواء كانت ( متجانسة، متناقضة، متحاربة)، بهدف منعها من الاتحاد وتنسيق سياساتها والتواصل فيما بينها، وقد شاع هذا النمط من المشاريع بعد الحرزب التي شهدتها أوروبا بعد تفكك واندثار النظام الإقطاعي البابوي، وظهور الأمم والثوراتالقزمية البرجوازية، وكان من أحد أبرز نماذجها قيام بلجيكا كدولة حاجزة، ليشاع لاحقاً استخدامها بإنشاء دول وظيفية حاجزة في إفريقيا وآسيا.
تعمل الولايات المتحدة على إعادة إحياء مخططها التقسيمي في سورية، من خلال التشبيك الدولي والإقليمي وحشد الجهود في هذا المسار، تتجلى بالسيطرة على شمال شرق سورية بشكل كامل، وإدامة حالة الصراع والحرب بين المكونات ( العشائر العربية- ميليشيات قسد)، لتشكيل حاجز جغرافي بشري يرتبط بقاعدتها العسكرية الموجودة في منطقة التنف، في ظل وجود مجموعات تتبع لها من جهة ومجموعات أخرى تسعى للقتال في إطار المقاومة الشعبية، وصولاً إلى الجنوب السوري وتأجيج الأوضاع القائمة في محافظتي ( درعا والسويداء)، وتشكيل غرف عمليات استخبارية ترتبط بالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، لعزل دمشق عن محيطها الحيوي، وبشكل خاص قطع اتصالها مع العراق وبالتالي مع إيران لمنع أي تنسيق أو دعم، وبهدف إحداث كانتونات (عرقية، عشائرية، طائفية)، تتبع للاحتلال الأمريكي في المنطقة، إضافة إلى الاحتلال التركي ومجموعاته التي تسيطر على جزء واسع من مناطق شمال غرب سورية( أرياف ادلب وحلب)، مما يجعل عناصر المشروع متكاملة، ويؤدي لقطع كافة السبل تجاه دمشق.
يطرح ما سبق خيارات صعبة ومعقدة أما الدولة السورية، تفرض ضرورة مواجهتها مع حلفائها ( روسيا وإيران)، وذلك لمنع تكرار تجربة شرق الفرات في مناطق جغرافية سورية أخرى، ويكمن ذلك من خلال استهدافات دقيقة وواسعة لبنك من الأهداف الموجهة نحو القواعد الأمريكية، ويدفع بالتالي لإعادة الحسابات الأمريكية، ومن جهة ثانية الضغط السياسي على واشنطن، لا سيما من خلال موسكو في سياق عدم السماح بإطالة أمد الفوضى القائمة إلى وقت غير محدد بما يخدم الأهداف والمصالح الأمريكية.